7 خطوات لـ بناء شخصية مسرحية مع ستانسلافسكي

بناء شخصية مسرحية متكاملة هو أحد التحديات الكبرى التي تواجه أي ممثل طموح. تُعتبر منهجية ستانسلافسكي ركيزة أساسية لتحقيق هذا الهدف في المسرح الحديث، حيث أثرت أفكاره في التمثيل الواقعي وألهمت أجيالاً من الممثلين في السينما والمسرح. لم تكن أفكار ستانسلافسكي مجرد تقنيات أداء عابرة، بل نظام متكامل يهدف إلى تحقيق فهم أعمق للشخصية المسرحية وتحفيز الممثل على تقديم أداء صادق ومؤثر. عمل ستانسلافسكي على تطوير منهج شامل، يساعد الممثل على التعامل مع الجوانب النفسية والجسدية للشخصية. يهدف هذا المقال إلى تقديم أبرز مكونات هذا النظام من خلال استعراض سبع خطوات رئيسية لبناء شخصية مسرحية متكاملة.

1. العمل على الذات

يرى ستانسلافسكي أن الخطوة الأولى في بناء شخصية مسرحية متكاملة تبدأ من فهم الممثل لذاته، بما يشمل مشاعره الداخلية وقدراته الجسدية والنفسية. يؤكد النظام على أهمية تطوير مهارات التركيز والاسترخاء لإزالة التوترات الجسدية والنفسية، مما يتيح للممثل استكشاف أبعاد جديدة في الأداء. الهدف من هذه المرحلة هو تحسين وعي الممثل بذاته وبما يحيط به ليصبح أكثر انفتاحاً على الشخصية.

الخطوة العملية:

• استخدم تمارين التركيز التي تعزز وعيك بجسدك ومحيطك. على سبيل المثال، اجلس في مكان هادئ، ركز على أنفاسك، ثم حاول استكشاف مشاعرك الداخلية وربطها بتجارب الشخصية التي تؤديها.

أهمية هذه الخطوة:
العمل على الذات يجعل الممثل أكثر قدرة على التواصل مع الجمهور ومع الشخصية المسرحية. فهو يمنح الممثل قاعدة صلبة للانطلاق نحو أبعاد أعمق من الأداء.

2. الذاكرة الانفعالية

تُعد تقنية الذاكرة الانفعالية من أبرز مكونات نظام ستانسلافسكي. تعتمد هذه التقنية على استحضار مشاعر وتجارب حقيقية عاشها الممثل في الماضي لمساعدته على استدعاء مشاعر مشابهة لما تتطلبه الشخصية المسرحية. الهدف هنا هو تحقيق شعور بالواقعية والانغماس الكامل في الدور، مما يعزز المصداقية في الأداء.

الخطوة العملية:

• فكر في مواقف شخصية أثرت في حياتك، مثل لحظات الفرح أو الحزن. حاول تذكر التفاصيل الدقيقة لتلك اللحظات، ثم استخدم تلك المشاعر كأداة عند أداء مشاهد عاطفية.

التحديات وكيفية التغلب عليها:
قد يجد بعض الممثلين صعوبة في استحضار مشاعر قديمة دون أن تؤثر عليهم سلباً. لتجنب ذلك، ينصح بدمج هذه التقنية مع تمارين الاسترخاء لضمان الحفاظ على التوازن العاطفي.

3. أهداف الشخصية

أحد المبادئ الأساسية في منهج ستانسلافسكي هو التركيز على “هدف الشخصية” أو (Super Objective)، وهو الغاية الكبرى التي تسعى الشخصية إلى تحقيقها طوال القصة. يساعد هذا المبدأ الممثل على فهم دوافع الشخصية وتصرفاتها. كما يتم تقسيم هذا الهدف إلى أهداف صغيرة لكل مشهد، مما يسهل على الممثل توجيه أدائه بشكل منطقي ومتماسك.

الخطوة العملية:

• قبل أداء أي دور، اطرح على نفسك أسئلة مثل: “ماذا تريد هذه الشخصية؟” و”ما الذي يجعلها تتصرف بهذه الطريقة؟”. حدد غاية رئيسية للشخصية، ثم قسّم هذه الغاية إلى أهداف صغيرة تتناسب مع كل مشهد.

مثال عملي:
إذا كنت تؤدي شخصية تسعى إلى الانتقام، قد يكون الهدف العام هو تحقيق العدالة، بينما الهدف في مشهد معين هو إقناع شخصية أخرى بالتحالف معك.

4. وحدة العمل والخطوات الصغيرة

من أهم الأفكار التي قدمها ستانسلافسكي هي تقسيم النص إلى وحدات صغيرة تُعرف باسم “وحدات العمل”. تساعد هذه الوحدات الممثل على تحليل النص وفهمه بشكل أعمق. كل وحدة تحتوي على نية أو هدف محدد تسعى الشخصية لتحقيقه. هذه التقنية تساعد في الحفاظ على استمرارية الأداء وربط كل جزء من النص بالهدف العام.

الخطوة العملية:

• اقرأ النص عدة مرات وحدد النقاط التي تتغير فيها دوافع الشخصية أو حالتها النفسية. استخدم هذه النقاط لتقسيم النص إلى وحدات، ثم قم بتحديد نية لكل وحدة بناءً على الهدف العام للشخصية.

أهمية هذه الخطوة:
يضمن هذا النهج أن يظل الأداء مستمراً ومتدفقاً دون انقطاع، مما يجعل الشخصية تبدو أكثر واقعية وحيوية.

5. الإيمان بالظروف الخيالية

يشجع ستانسلافسكي الممثلين على التعامل مع الظروف الخيالية للنص المسرحي وكأنها واقع حقيقي. يطلق على هذا المبدأ اسم “إذا السحرية” (Magic If). يهدف هذا المبدأ إلى مساعدة الممثل على التفاعل بصدق مع المواقف المختلفة التي تواجهها الشخصية، مما يعزز المصداقية في الأداء.

الخطوة العملية:

• تخيل أنك فعلاً تعيش في عالم الشخصية واسأل نفسك: “ماذا لو كنت في موقف مشابه؟ كيف ستكون ردود أفعالي؟”. حاول استكشاف هذه الفرضيات من خلال التمارين العملية والارتجال.

التطبيق العملي:
إذا كنت تؤدي دور شخصية تواجه مأساة، حاول تخيل شعورك إذا حدث نفس الأمر في حياتك، واستند إلى ردود الفعل الطبيعية التي ستشعر بها.

6. الحركات النفسية والجسدية

اعتبر ستانسلافسكي أن الأداء الجسدي يجب أن يكون انعكاساً للمشاعر النفسية للشخصية. كل حركة جسدية يجب أن تكون مدفوعة بدافع نفسي واضح، مما يجعل الأداء متكاملاً ومترابطاً. لا يمكن فصل تعبير الجسد عن المشاعر الداخلية.

الخطوة العملية:

• قم بتمارين تجمع بين الحركات الجسدية والمشاعر، مثل تخيل أنك تحمل شيئاً ثقيلًا للتعبير عن عبء نفسي تشعر به الشخصية. حاول ربط كل حركة بالنية أو العاطفة التي تقودها.

فوائد هذه التقنية:
تعزز هذه التقنية من واقعية الأداء وتساعد الممثل على استخدام جسده كأداة تعبير فعالة.

7. الاستعداد المستمر

أكد ستانسلافسكي على أهمية التدريب المستمر للممثلين، مشبهاً ذلك بتدريب الرياضيين. يتطلب الأداء المسرحي مرونة عالية في الجسد والعقل، مما يستلزم تمارين يومية لتحسين المهارات وتطوير الإبداع.

الخطوة العملية:

• خصص وقتاً يومياً للقيام بتمارين جسدية، مثل اليوغا أو تمارين التنفس. استثمر في قراءة النصوص المسرحية وتحليل الشخصيات. جرب أيضاً تمارين الارتجال لتحفيز الإبداع.

أهمية هذه الخطوة:
يساعد التدريب المستمر الممثل على الحفاظ على لياقته الفنية واستعداده لتأدية أدوار متنوعة.

الخاتمة
من خلال منهجه، قدم ستانسلافسكي أدوات عملية وشاملة لبناء شخصية مسرحية متكاملة. يمكّن هذا النظام الممثل من استكشاف أبعاد عميقة للشخصية والتفاعل مع النص المسرحي بصدق وواقعية. باتباع الخطوات السبع التي استعرضناها، يمكن للممثل أن يحقق أداءً مميزاً يترك أثراً في الجمهور. إن رحلة بناء الشخصية ليست مجرد تقليد لما هو مكتوب، بل هي عملية إبداعية تتطلب جهداً ووعياً لتحقيق الانسجام بين الممثل والشخصية.

إذا كنت في السعودية، فأنت محظوظ بفرصة التعرف على المبادرات والبرامج المقدمة من وزارة الثقافة، ممثلة في هيئة المسرح والفنون الأدائية وهيئة الأفلام ، وإذا كان لديك رغبة في انتاج البرامج أو الأفلام فلا تتردد في التواصل معنا عبر صفحة اتصل بنا او عبر او الواتساب